-A +A
وفاء الرشيد
رحبت وزارة الخارجية السعودية بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة تخصيص يوم 15 مارس من كل سنة مناسبة دولية لمكافحة الإسلاموفوبيا، بإجماع شامل من كل الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة.

هذا القرار شديد الأهمية في الوقت الحاضر، لكونه يكرس وقوف العالم المتحضر ضد موجة العداء للإسلام التي راجت كثيرا في السنوات الأخيرة. لكن ماذا نعني بالإسلاموفوبيا؟


العبارة حسب دلالتها اللغوية المباشرة تعني الخوف من الإسلام، وتعني اصطلاحا النظرة العدائية للإسلام التي تأخذ ثلاث صيغ:

الصيغة الأولى: إخراج الإسلام من التقليد التوحيدي الذي تنتمي إليه اليهودية والمسيحية، واعتباره دينا غريبا عن هذه الأسرة الإبراهيمية المشتركة. لهذه الفكرة خلفيات لاهوتية قديمة في التراث الديني في العهود الصليبية، حين كان ينظر للإسلام بأنه هرطقة وديانة محرقة ومنحرفة. ومع أن الإصلاحات الكنسية التي تمت في منتصف القرن الماضي كرست وحدة المنبع والتصور ما بين اليهودية والمسيحية، فإنها ألغت الإسلام من هذا الجذر المشترك بحجج واهية كما يقول المفكر المعروف محمد أركون. يجدر التنبيه هنا إلى كتابات «المراجعين الجدد» من المستشرقين المعاصرين مثل باتريشيا كرون ومايكل كوك (في كتابهما الهاجرية)، التي قدمت قراءة منحرفة للإسلام من منظور مقارن متعسف وغير موضوعي مع الديانات الأخرى.

الصيغة الثانية: هي ربط الإسلام بالعنف والراديكالية والدموية، استنادا إلى نشاط الجماعات المتطرفة المتشددة المعزولة التي تنهج طريق الغلو والقتل. نلمس هذا التوجه لدى قطاع واسع من السياسيين والإعلاميين الغربيين، من أمثلتهم البارزة اريك زمور المرشح الحالي في الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة. وبالإضافة إلى كون هذه الجماعات مرفوضة من الأغلبية المطلقة من المسلمين من مختلف المذاهب والفرق، فإنها تستهدف بالأساس الحكومات والمجتمعات المسلمة، ومن ثم لا سبيل لإضفاء صفة الانتماء الديني عليها.

الصيغة الثالثة: القول بأن الإسلام ليس دينا عاديا أو نمطا من الاعتقاد، بل هو مشروع سياسي ونظام قانوني، بما يعني تناقضه مع الحداثة والمدنية والحرية. تشترك جماعات الإسلام السياسي والمستشرقون المناوئون للإسلام في هذا التصور الزائف. على أن الإسلام دين للدولة واعتماده مرجعية للتشريع لا يعنيان القول بالدولة الدينية والاوثوقراطبة التي لا مكان لها في الإسلام.

ولكن لماذا تصاعدت هذه النزعة الإسلاموفوبية الجديدة؟ هل الأعمال العنيفة للجماعات الإرهابية المتشددة شوهت الإسلام والمسلمين؟! نعم، وهل الحركات الأيديولوجية التي ترفع شعار الإسلام للوصول إلى السلطة وتواجه الحكومات والمجتمعات المسلمة شوهت الإسلام والمسلمين؟ نعم، وأخيراً وليس آخراً هل التيارات اليمينية واليسارية الغربية التي تحارب الإسلام بذريعة مواجهة الهجرة غير الشرعية والإرهاب الراديكالي قضت على صورة الإسلام والمسلمين؟ نعم وألف نعم...

يحسب لبعض الدول الإسلامية أنها نجحت في تعبئة الرأي العام الدولي ضد حركية تشويه الإسلام والتخويف منه. ولا شك أن أفضل طريقة لمواجهة الإسلاموفوبيا هي تقديم صورة متسامحة ومنفتحة للإسلام، هي الصورة الحقيقية لهذا الدين الذي أنزله الله رحمة للعالمين وجعله دين الوسطية والسماحة وحذر معتنقيه من التنطع والغلو والتشدد.